من فبراير 2022 إلى يونيو 2025.. كم تشكيل مسلح تأسس في عهد حكومة الدبيبة؟

رغم تصاعد الخطاب الرسمي حول ضرورة تفكيك الميليشيات في ليبيا وإخلاء العاصمة من المظاهر المسلحة، إلا أن الواقع يكشف عن تناقض صارخ في ممارسات السلطة، خصوصًا في غرب البلاد، حيث تأسست أغلب التشكيلات المسلحة الحالية بأوامر حكومية مباشرة خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
فمنذ فبراير 2022، أنشأت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والمجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي، سلسلة من التشكيلات الأمنية تحت مسميات متعددة، كانت الغاية المعلنة من ورائها هي “ضبط الأمن”، لكنها تحولت عمليًا إلى أدوات نفوذ وجماعات ضغط مسلحة، ساهمت في تفاقم الفوضى.
بدأت السلسلة بتشكيل “قوة دعم الانتخابات” في فبراير 2022، تبعتها “قوة التدخل والسيطرة” في أبريل 2023، ثم الجهاز الوطني للقوى المساندة في يونيو من العام نفسه. كما أُنشئت غرف أمنية في مدن الساحل الغربي وغريان ومصراتة بين يوليو ونوفمبر 2023، ثم لجنة لسحب التشكيلات المسلحة في أغسطس 2024، إلى أن أعلن المجلس الرئاسي في يونيو 2025 تشكيل لجنتين لإخلاء طرابلس من المسلحين، وقوة أمنية مؤقتة مشتركة لتأمين العاصمة. كل هذه التشكيلات حملت الطابع الرسمي، لكنها عكست منطق التحاصص وشراء الولاءات أكثر من كونها إصلاحًا أمنيًا.
هذا التراكم الكمي للجماعات المسلحة تحت عباءة الدولة، فتح الباب أمام تضارب الصلاحيات والولاءات، وعزز منطق التمكين المسلح على حساب المؤسسات، حتى باتت بعض هذه التشكيلات أقوى من الحكومة نفسها. وقد أفضى هذا المشهد إلى اشتباكات دامية متكررة، كان أبرزها تلك التي اندلعت عقب مقتل عبد الغني الككلي “غنيوة” في مايو الماضي، وما تبعها من مواجهات بين جهاز دعم الاستقرار واللواء 444 وجهاز الردع، فضلًا عن أحداث صبراتة والزاوية، والتي أكدت جميعها غياب السيطرة المركزية وتحوّل “المليشيات الرسمية” إلى فاعلين مستقلين على الأرض.
اللافت أن كل من حكومة الوحدة والمجلس الرئاسي يتبنيان خطابًا سياسيًا يطالب بتفكيك هذه التشكيلات، بينما تثبت الوثائق أن أغلبها تأسس بقرارات رسمية منهما. وهو ما دفع محللين إلى التساؤل: هل نحن أمام “دولة الميليشيات” أم “ميليشيات الدولة”؟ خاصة مع تضخم الميزانيات المخصصة لهذه التشكيلات وتورط بعضها في قضايا تهريب البشر وتجارة السلاح ومداهمة مؤسسات سيادية مثلما جرى في واقعة اقتحام مقر مؤسسة النفط.
وتثير هذه المفارقة شكوكًا حول جدوى المبادرات المطروحة مؤخرًا، مثل مبادرة الدبيبة لإعادة هيكلة الحكومة وتأمين الانتخابات، أو جهود المجلس الرئاسي لإخلاء العاصمة، ما لم تترافق بخطوات جادة لإلغاء كل الكيانات المسلحة الموازية ودمج عناصرها في المؤسسات الأمنية وفق معايير مهنية.
وفي غياب هذه الإجراءات، تبقى وعود الإصلاح الأمني أقرب إلى المناورة السياسية منها إلى الإرادة الحقيقية لبناء دولة، فيما يدفع المواطن الليبي ثمن هذا التلاعب بحياته اليومية، وتظل طرابلس ومدن الغرب الليبي مهددة بالانفجار في أي لحظة، بسبب منظومة أمنية تدار بأوامر متعددة ومصالح متقاطعة، لا تعرف من القانون إلا اسمه.


