إنفوغراف

أزمة الدولار في ليبيا.. إلى أين؟

تعود أزمة الدولار في ليبيا إلى الواجهة بقوة، مع وصول سعره في السوق الموازية إلى نحو 8.62 دينار ليبي، في مؤشر جديد على عمق الاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد الوطني، واستمرار فقدان الثقة في قدرة السياسات المالية والنقدية على ضبط سوق الصرف.

هذا الارتفاع لا يمكن فصله عن أزمة هيكلية مزمنة، يتصدرها عجز النقد الأجنبي مقارنة بحجم الطلب المتزايد، خاصة في ظل توسع الإنفاق الحكومي دون غطاء إنتاجي حقيقي. فالدولة لا تزال تعتمد بشكل شبه كامل على عائدات النفط كمصدر رئيسي للعملة الصعبة، ما يجعل الاقتصاد هشًا أمام أي اضطراب في الإنتاج أو التصدير أو الأسعار العالمية.

كما أسهم تزايد الإنفاق العام، خاصة في بند المرتبات والدعم، في ضخ كتل نقدية كبيرة داخل السوق دون مقابل إنتاجي، الأمر الذي رفع الطلب على الدولار سواء بغرض الاستيراد أو الادخار، في وقت لم تنجح فيه السياسات المصرفية في امتصاص هذا الطلب أو توجيهه عبر القنوات الرسمية.

وتفاقمت الأزمة بفعل فوضى الاستيراد العشوائي، حيث تُستنزف العملة الأجنبية في سلع غير أساسية، في ظل ضعف الرقابة وغياب استراتيجية واضحة لتنظيم التجارة الخارجية. هذا الوضع فتح المجال أمام استمرار تهريب العملة وتمويل التجارة عبر السوق الموازية، بعيدًا عن الجهاز المصرفي، ما عمّق الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق.

أما على مستوى النتائج، فقد انعكس هذا الارتفاع الحاد في سعر الدولار بشكل مباشر على القوة الشرائية للمواطن، مع موجات متتالية من ارتفاع أسعار السلع المحلية والمستوردة، وزيادة تكلفة المعيشة، مقابل دخول ثابتة أو محدودة. كما أدى ذلك إلى انخفاض فعلي في قيمة الدينار، وتزايد الضغوط على الطلب على العملات الأجنبية، بما يعزز من نفوذ السوق الموازية ويكرّسها كفاعل رئيسي في المشهد الاقتصادي.

وفي ظل هذه المعطيات، يظل السؤال مفتوحًا: إلى أين تتجه أزمة الدولار في ليبيا؟ الإجابة ترتبط بمدى القدرة على تبني إصلاحات حقيقية، تبدأ بضبط الإنفاق العام، وتنظيم الاستيراد، وتشديد الرقابة على سوق الصرف، وتنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط. دون ذلك، ستبقى الأزمة تدور في حلقة مفرغة، يدفع ثمنها المواطن أولًا وأخيرًا.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى